3 أشياء يجب أن يعرفها الآباء عن مدة استخدام الهواتف والحواسيب
في العصر الرقمي الحديث، أصبحت الهواتف الذكية والحواسيب جزءاً لا يتجزأ من حياة الأطفال والمراهقين، سواء في التعليم أو الترفيه أو حتى التواصل الاجتماعي. ومع التطور السريع للتكنولوجيا، أصبح من الصعب على كثير من الآباء ضبط أو حتى متابعة المدة التي يقضيها أبناؤهم أمام الشاشات. وتكمن الخطورة في أن الاستخدام المفرط وغير المنظم للأجهزة الإلكترونية قد يؤدي إلى آثار جسدية ونفسية وسلوكية عميقة لدى الأطفال، مما يستدعي وعياً كاملاً من الأهل بأهمية هذا الموضوع. من هنا، تبرز ثلاث نقاط أساسية لا بد أن يدركها كل ولي أمر، حتى يتمكن من التوجيه الصحيح ووضع حدود صحية لاستخدام الهواتف والحواسيب داخل الأسرة.
أولاً: الآثار الجسدية والنفسية لاستخدام الشاشات لفترات طويلة
تشير الدراسات الحديثة إلى أن الاستخدام المفرط للشاشات – سواء الهواتف الذكية أو الحواسيب – يرتبط بمجموعة من الآثار السلبية على صحة الأطفال والمراهقين. ومن بين أبرز هذه الآثار:
1. الإجهاد البصري
عندما يقضي الطفل ساعات طويلة أمام الشاشات، تتعرض العين لضغط غير طبيعي بسبب التحديق المستمر في مصادر ضوء ساطعة وقريبة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى ما يعرف بـ “متلازمة إجهاد العين الرقمي” Digital Eye Strain، والتي تشمل أعراضاً مثل جفاف العين، تشوش الرؤية، الصداع، والحساسية للضوء.
2. مشاكل في النوم
تؤثر الإضاءة الزرقاء المنبعثة من شاشات الهواتف والحواسيب على إنتاج الجسم لهرمون الميلاتونين، المسؤول عن تنظيم النوم. وعندما يقل هذا الهرمون، يواجه الطفل صعوبة في النوم العميق أو حتى الدخول في حالة النوم. ومع اضطراب النوم، تتأثر القدرات المعرفية والتركيز في اليوم التالي، ما يؤثر سلباً على الأداء الدراسي والسلوك العام.
3. السمنة وقلة النشاط البدني
يقضي الكثير من الأطفال وقتاً طويلاً في الجلوس أمام الشاشات، ما يقلل من فرص الحركة والنشاط البدني اليومي. وهذا يؤدي مع مرور الوقت إلى زيادة الوزن، بل وقد يكون بوابة للإصابة بمشاكل صحية مزمنة مثل السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم.
4. العزلة الاجتماعية والقلق والاكتئاب
وجدت عدة دراسات نفسية أن الأطفال الذين يمضون ساعات طويلة على الإنترنت أو تطبيقات التواصل الاجتماعي يميلون إلى العزلة، وتزداد لديهم مستويات القلق والاكتئاب. هذا يعود إلى المقارنات المستمرة مع الآخرين، وتعرضهم للمحتوى السلبي أو التنمر الإلكتروني، أو حتى الإدمان على التفاعل الافتراضي على حساب العلاقات الواقعية.
ثانياً: الإرشادات الدولية المعتمدة حول المدة المناسبة لاستخدام الشاشات
توصي المنظمات الصحية العالمية بعدد من الإرشادات التي يجب أن يطلع عليها الأهل، لأنها تستند إلى دراسات علمية واسعة النطاق، من أبرزها:
| الفئة العمرية | المدة الموصى بها لاستخدام الشاشات يومياً |
|---|---|
| الأطفال أقل من سنتين | يفضل تجنب الشاشات تماماً باستثناء مكالمات الفيديو العائلية |
| الأطفال بين 2-5 سنوات | لا تزيد عن ساعة واحدة يومياً، ويُفضل أن تكون برفقة أحد الوالدين |
| الأطفال بين 6-12 سنة | لا تزيد عن ساعتين يومياً، مع مراقبة نوعية المحتوى |
| المراهقون 13-18 سنة | لا تزيد عن 3 ساعات يومياً خارج نطاق الدراسة والتعليم الإلكتروني |
هذه التوصيات لا تهدف إلى حرمان الطفل من التكنولوجيا، بل تنظيم استخدامها بما يتوافق مع نموه العقلي والجسدي والنفسي. إذ إن التقنية يمكن أن تكون أداة تعليمية فعالة إذا ما استُخدمت ضمن إطار زمني ومحتوى مناسب.
كما يُشدد خبراء علم النفس التربوي على أهمية تحديد “فترات بدون شاشة” داخل المنزل، مثل أوقات الوجبات العائلية أو قبل النوم بساعتين، أو أثناء الأنشطة العائلية الجماعية. فهذه الفترات تحفّز الروابط الاجتماعية وتحمي من الإدمان السلوكي على الأجهزة.
ثالثاً: الدور التربوي للوالدين في تنظيم استخدام الأجهزة
لا يمكن الحديث عن إدارة استخدام الشاشات دون التطرق إلى دور الآباء والأمهات كقدوة وموجّهين. فالتقنية ليست وحدها سبب الإشكال، بل طريقة إدارتها داخل البيئة الأسرية.
1. القدوة السلوكية
الأطفال يتعلمون من خلال الملاحظة، وإن لاحظوا أن والديهم يستخدمون الهواتف لساعات طويلة في المنزل، فسيعتبرون ذلك سلوكاً طبيعياً. لذا، من الضروري أن يقلل الآباء من وقت استخدام أجهزتهم، خاصة في أوقات التفاعل العائلي، ليتمكن الأبناء من تقليد هذا السلوك الصحي.
2. وضع قوانين منزلية واضحة
ينبغي تحديد قواعد دقيقة وواضحة لاستخدام الشاشات داخل المنزل. على سبيل المثال، يمكن تحديد جدول يومي يبين المدة المسموح بها لكل فرد، وتخصيص أوقات معينة للاستخدام – كالسماح باستخدام الجهاز بعد إنهاء الواجبات المدرسية والنشاط البدني.
كما يجب توضيح العقوبات التربوية في حال عدم الالتزام بهذه القوانين، شريطة أن تكون هذه العقوبات تربوية ومرتبطة بالسلوك نفسه، كحرمان مؤقت من الجهاز أو تقليص مدة الاستخدام في اليوم التالي.
3. اختيار التطبيقات والمحتوى المناسب
من واجب الآباء أن يتابعوا نوعية المحتوى الذي يستهلكه الأبناء، سواء على الهواتف أو الحواسيب. يجب تحميل التطبيقات التعليمية والألعاب المناسبة للعمر، وتثبيت أدوات الرقابة الأبوية التي تسمح بمراقبة النشاط الإلكتروني. كما ينبغي التحدث مع الأبناء عن مخاطر بعض المحتويات الضارة أو غير المناسبة.
4. تشجيع البدائل الواقعية
إن تنظيم الوقت لا يعني فقط تقليص مدة الشاشة، بل ملء الوقت ببدائل محفزة. يمكن تنظيم نشاطات بدنية مثل الرياضة، أو هوايات مثل الرسم والموسيقى والقراءة. كما أن إشراك الأطفال في الأعمال المنزلية والأنشطة الاجتماعية يعزز من قدرتهم على تنظيم الذات والاعتماد على النفس.
5. الحوار المفتوح والمستمر
ينبغي على الآباء أن يبنوا علاقة تواصل مبنية على الثقة والحوار مع الأبناء حول استخدام التقنية. الحديث المستمر حول فوائد وأضرار الهواتف والحواسيب، وتفسير القوانين المنزلية، يساعد الطفل على استيعاب أهمية التنظيم الذاتي وعدم الشعور بأن الأمر مجرد تحكّم أو حرمان.
خاتمة منهجية
إن التعامل مع التكنولوجيا ليس مسألة تقنية بحتة، بل مسؤولية تربوية متكاملة تبدأ من الوعي والقدوة والتوجيه. فهم الآثار الصحية والنفسية للاستخدام المطول للشاشات، والاطلاع على التوصيات الدولية، وتطبيق أنماط تربوية واعية، يُعدّ مساراً ضرورياً لضمان توازن صحي في حياة الطفل والمراهق.
فالهواتف والحواسيب ليست عدواً بالضرورة، لكنها تصبح خطراً حين تغيب عنها الرقابة والتوجيه، وحين تحلّ محلّ التفاعل الإنساني والنشاط الحركي والتنشئة الاجتماعية المتزنة. وبالاهتمام بهذه الجوانب الثلاثة، يمكن للأسرة أن تضمن نمواً سليماً لأبنائها في عالم أصبح فيه الاتصال الرقمي ضرورة لا يمكن تجاهلها، لكنها أيضاً أداة تحتاج إلى إدارة عقلانية.
المراجع:
-
World Health Organization (WHO) Guidelines on Physical Activity, Sedentary Behaviour and Sleep for Children Under 5 Years of Age (2019).
-
American Academy of Pediatrics (AAP). Media and Young Minds, Pediatrics 2016.
